فيلم Teenage Mutant Ninja Turtles: Mutant Mayhem — ثورة السلاحف في قلب نيويورك

تُعَدُّ سلسلة “سلاحف النينجا المراهقون المتحولون” (Teenage Mutant Ninja Turtles) من أشهر السلاسل في تاريخ الرسوم المتحركة والقصص المصورة، وهي ظاهرة ثقافية استمرت لعقود، يتوارثها جيل بعد آخر. ويأتي فيلم Teenage Mutant Ninja Turtles: Mutant Mayhem، الذي أُطلِق في 31 يوليو 2023، كتجسيد جديد ومتطور لهذه السلسلة الكلاسيكية، مزوَّداً بأسلوب بصري معاصر، وفكر سردي حديث، وروح شبابية تعكس أجواء المراهقة في عالم حضري متداخل ومُعقَّد كمدينة نيويورك.

تم إنتاج الفيلم بتعاون بين شركات Paramount Pictures، وNickelodeon Movies، وPoint Grey Pictures التي يملكها الممثل والمنتج Seth Rogen، بمشاركة Mikros Animation وCinesite Animation في تولي أعمال الرسوم المتحركة. وبلغت ميزانية الفيلم ما يقارب 70 مليون دولار، بينما تجاوزت إيراداته العالمية 161 مليون دولار، ما يعكس نجاحاً تجارياً ملحوظاً، ويؤكد أهمية الشخصية في ذاكرة الجمهور.

حبكة الفيلم: السعي للاندماج وسط الفوضى

في هذا الجزء الجديد من السلسلة، نُعيد اكتشاف عالم السلاحف الأربعة: ليوناردو، ورافاييل، ومايكل أنجلو، ودوناتيلو، الذين يعيشون في مجاري نيويورك، وقد تربّوا في عزلة تامة بعيداً عن العالم البشري. هذا العالم الذي يهابهم ويجهل حقيقتهم كبشر متحولين يسعون فقط للعيش كـ”مراهقين طبيعيين”. بعد سنوات من الانعزال، يتخذ الإخوة قراراً جريئاً بالخروج من الظل ومحاولة كسب قلوب سكان نيويورك من خلال الأعمال البطولية.

إلى جانبهم، تقف أبريل أونيل، صحفية طموحة مراهقة أيضاً، تسعى بدورها إلى إثبات نفسها في مجال الإعلام، وتتقاطع رحلتها المهنية مع مغامرة السلاحف. لكن الحلم البسيط بالاندماج ينقلب إلى كابوس عندما تظهر منظمة إجرامية سرّية بقيادة سوبرفلاي (Ice Cube)، وتطلق جيشاً من الكائنات المتحوّلة التي تهدد سلام المدينة.

التمثيل الصوتي: طاقم من النجوم ومواهب شابة

من أبرز عوامل جاذبية الفيلم اختيار طاقم تمثيل صوتي متنوّع، يجمع بين الوجوه المعروفة والمواهب الصاعدة. فقد أدى الأدوار الرئيسية أربعة ممثلين شباب: Micah Abbey (دوناتيلو)، Shamon Brown Jr. (مايكل أنجلو)، Nicolas Cantu (ليوناردو)، وBrady Noon (رافاييل)، وجميعهم نجحوا في إيصال الطابع المرح والواقعي للمراهقين.

بينما أدّت Ayo Edebiri دور أبريل أونيل بإحساس عميق يجمع بين الجرأة والهشاشة، وشارك في الأداء الصوتي نخبة من النجوم مثل Seth Rogen، John Cena، Maya Rudolph، Ice Cube، Jackie Chan (الذي أدى دور Splinter)، Rose Byrne، وPaul Rudd.

هذه التوليفة الصوتية أضفت على الشخصيات طابعاً واقعياً وإنسانياً، يُقرّب المتفرّج من عالم السلاحف ويمنحهم عمقاً لم يكن شائعاً في النسخ القديمة من السلسلة.

الأسلوب البصري: ثورة فنية في الرسوم المتحركة

من أبرز سمات “Mutant Mayhem” كونه يقدم شكلاً بصرياً جديداً وغير تقليدي، مستلهماً إلى حد كبير أسلوب الرسوم المرسومة يدوياً (Hand-drawn aesthetics)، لكنه مدعوم بتقنيات ثلاثية الأبعاد متقدمة. هذا الأسلوب الهجين يجعل الفيلم يبدو وكأنه لوحة فنية نابضة بالحياة، تتماشى مع روح الشوارع، والجرافيتي، والطابع الفوضوي المحبب لمدينة نيويورك.

الأنيميشن يُعبّر عن المراهقة كفكرة بصرية؛ فكل مشهد يبدو غير مكتمل، خشناً في التفاصيل، لكنه مليء بالحيوية، وهذا يُحاكي النفسية المراهقة المتوترة والمليئة بالأحلام والصراعات.

نيويورك كشخصية رئيسية

تمثل مدينة نيويورك أكثر من مجرد خلفية للأحداث، بل هي شخصية محورية في السرد. الأزقة، القطارات، الجسور، البنايات العالية، الأصوات المتداخلة، تنقل صورة واقعية لعاصمة الفوضى والاختلاف. تعكس نيويورك صراع السلاحف مع هويتهم، فهي مدينة تتيح للكل التعبير، لكنها في الوقت نفسه تُقصي المختلفين.

تُصوَّر المدينة كما يراها المراهقون: مكان خطر ومثير ومليء بالإمكانات. وهنا يكمن التحدي الحقيقي للسلاحف؛ ليس فقط في هزيمة الأشرار، بل في إيجاد مكان لهم في هذه المدينة الصاخبة.

التحوّلات الموضوعية: من الكوميديا إلى التأملات النفسية

رغم الأسلوب المرح والكوميدي العام للفيلم، إلا أنّه يتناول موضوعات عميقة مثل: الهوية، والانتماء، والخوف من الآخر، وأهمية الصداقة، والمجتمع، وتقبل الذات. تتجلى هذه المواضيع في الحوارات والعلاقات بين الشخصيات، وخاصة العلاقة بين Splinter (الجرذ المربّي) وتلاميذه، حيث يمثل دور الأب الحامي والخائف من المجتمع الخارجي.

يتناول الفيلم أيضاً كيف يمكن للتميّز أن يتحول إلى عبء إذا لم يُقابل بالتفهم. السلاحف هنا ليست فقط مخلوقات خارقة؛ بل هي رموز لكل من يشعر بالغربة أو الاختلاف في مجتمعه.

الجدول: مقارنة بين نسخ TMNT عبر العصور

هذا الجدول يوضح كيف تطورت السلسلة من التركيز على الأكشن والحركة إلى تبنّي أسلوب فني يراهن على الجماليات البصرية وسرد القيم الإنسانية والاجتماعية.

الموسيقى والتصميم الصوتي

اعتمد الفيلم على موسيقى ذات طابع حضري، تتضمن الهيب هوب، والروك، ومؤثرات صوتية تعكس عالم المراهقين والشارع، مع تأليف موسيقي متوازن يدعم كل مشهد بصرياً وعاطفياً. الصوت لا يعمل كخلفية فقط، بل كعنصر يروي ويكمل الصورة. ظهور شخصيات شهيرة مثل Post Malone وPaul Rudd في أصوات ثانوية يُضفي أيضاً عمقاً ثقافياً يُرضي جمهور الشباب.

البُعد الفلسفي: الأبطال لا يُولدون بل يُصنعون

شعار الفيلم “الأبطال لا يُولدون. إنهم يتحولون” يعبّر عن فلسفة الفيلم الأساسية. السلاحف هنا لا تمتلك قوى خارقة منذ البداية، بل تصقلها التجربة، والمعاناة، والعمل الجماعي. هذه الرسالة تتناغم مع الواقع، حيث لا يولد الإنسان بطلاً، بل يصبح كذلك من خلال ما يواجهه من تحديات.

في الختام

يمثل فيلم Teenage Mutant Ninja Turtles: Mutant Mayhem أكثر من مجرد إعادة إحياء لسلسلة محبوبة؛ إنه إعلان بجرأة عن ولادة جيل جديد من القصص البصرية التي تمزج بين الفن، والفكر، والمغامرة. نجح الفيلم في أن يكون تحية للماضي، وتجديداً للحاضر، وانطلاقة نحو المستقبل، مؤسساً لمرحلة جديدة في أفلام الأنيميشن التي تجمع بين الترفيه والرؤية الاجتماعية.

يشكّل هذا العمل نموذجاً يُحتذى به في كيفية مخاطبة المراهقين بلغة يفهمونها، دون أن يُفرّط في القيم الإنسانية الكبرى. وبفضل أسلوبه البصري اللافت، وأداءاته الصوتية المميزة، ورسائله العميقة، يستحق هذا الفيلم أن يُدرج ضمن أبرز إنتاجات الأنيميشن في العقد الحالي.

المراجع:

1. Box Office Mojo – Paramount Pictures.

2. Variety Magazine – Review by Peter Debruge.